Friday, August 22, 2008

أنفاق العزة

في يوم الجمعه صباحا جلست في عملي أتصفح الجرائد

و قرأت خبر كثيرا ما قرأته و لكنه كان وقعه في نفسي غير كل مرة

الخبر يقول

"ـ"التحفظ على نصف طن متفجرات بعد ضبطها في مخبأ حدودي مع غزة


الخبر عادي جدا و مكرر جدا جدا


و لكنني لسبب لا أعرفه وجدت نفسي أتخيل موقفي لو كنت أحد أطراف الموضوع المباشرين


تخيلت نفسي فلسطيني من حماس

أخترت حب الشهادة و الموت بعزة في سبيل الله و أقطتعت من قوتي أنا و أولادي لأشتري به هذه التفجرات و أدفع مبالغ طائلة لأنقلها عبر الحدود و أجهز بها حزام ناسف أفجر به نفسي في وجه اليهود الغاصبين للأرض و الكرامة و أدافع وحدي عن الأرض المطالب كل المسلمين بالموت من أجلها

فأجد أخواني المسلمين و جيراني المصريين يقفون ضدي و ضد مراد الله في الجهاد و المقاومة

يالها من حسرة أن تكون الخيانة من أقرب الأقربين

وأجد نفسي قائلا لباقي أخواني المجاهدين

أسف أخواني العملية الإستشهادية لن تتم لتعذر وصول المتفجرات


و تخيلت نفسي مصدر للشرطة

علمت بوجود المتفجرات فذهبت و أبلغت بها الضباط و كل أملي أن أفوز برضاهم و أن يتغاضوا عن أفعالي و أكون عندهم من المقربين

و عند قرائتي للخبر سأشعر بالفرحة فأنا من أبلغت بوجود المتفجرات و عثرت عليها الشرطة

أنا البطل أنا المقدام أنا والي عكة أنا من سيكون مصيري مزبلة التاريخ أنا من سيلعنني أجيال و أجيال من أبناء المسلمين


تخيلت نفسي ضابطا من المنفذين لعملية الضبط

ملتزما أعرف الحق من الباطل و لكنني ضعيف أمام نفسي

أعرف عظم قدر الفسطينيين و عظم قدر الجهاد و أجر المجاهد و الشهيد أعرف معنى الوطن السليب و اليهودي العميل

ولكنني لم أبلغ درجة من الإيمان بالله أن أقول لا و فضلت أن أكون عبد المأمور بدلا من أن أكون عبدا خالصا لله

أقرأ كل مرة الخبر مجددا في الجريدة فأقول لنفسي ليت المصدر لم يبلغني ليته كان قد أبلغني سرا فكنت أقول له لا تقل لأحد و كتمت سر المتفجرات بدلا من مصادرتها و كانت تصل لمستحقيها الذين يحسنون استغلالها

يا ليتني كنت أعمل أي عمل أخر محامي أو مهندس حتى لا أكون أنا السبب في أحباط الخير


تخيلت نفسي ضابط منفذ لعملية الضبط

لا أعرف من الدنيا غير أوامر رؤسائي و المعلومات الواردة في جريدة الأهرام

حماس أرهابيين و اليهود أصدقاء و الفسطينيين عملاء و باعوا أرضهم لليهود ومصر يجب ان تحافظ على أمنها العام وسيادتها

أنا وطني أنا وطني أنا وطني


تخيلت نفسي جندي من المنفذين لعملية الضبط

جدي لأمي فلسطيني كان يحكي لي و أنا صغير عن بطولات الفلسطينيين و الأخوان في مواجهة الأحتلال و يغرز في نفسي أن أكون مجاهدا أدافع عن الأرض و العرض و لكني منذ تم تجنيدي لم أحارب يهودي واحد فكل ما أقوم به تارة أحبط محاولات أخوالي في نقل السلاح ليدافعوا عن أنفسهم و تارة أقف حراسة في الشارع لمرور موكب كبار زعماء اليهود عند أستضافتهم من قبل الأخ الصديق الرئيس و تارة أقف حراسة على متاريس سدت بها الشوارع لحماية سفارة اليهود و في بعض الأحيان يستعينوا بي في محاصرة منزل رجل مشلول رباعيا من الأخوان المسلمين للقبض عليه بتهمة جمع التبرعات للفلسطينيين

لعنة الله على التجنيد عموما تبقى شهر و نصف على أنتهاء فترة تجنيدي و بعده أستغفر الله على ذنوبي و أقف أمام قبر جدي أبكي و أعاهده على الجهاد و عدم نصرة الاعداء مرة أخرى و لكن هل سيسامحني جدي


تخيلت نفسي مجموعة من المجندين المنفذين للعملية

لا نعرف شيئا مما يدور حولنا الضابط يقول و نحن ننفذ لا نعلم طبيعة المهمة حلال أو حرام لا يهم فبعضنا يصلى ولا يعلم لماذا يصلى و بعضنا لا يعلم حتى كيفية الطهارة و لم يصادف من يحفظه سورة الفاتحة


تخيلت نفسي رجل من عامة شعب غزة

أتمتم بيني و بين نفسي : المصريون لا يرحموا ولا يسيبوا رحمة ربنا تنزل بدلا من مساعدتنا بالمال و السلاح والغذاء والدواء و التغطية السياسية أو حتى يداووا جرحانا أو حتى يسمحوا بمرور قوافل الإغاثة التي تصلنا من أماكن أخرى

نجدهم يتعقبوا المواد الأساسية لمواجهة المحتل و يصادرونها

و أرفع يدي الى السماء و أقول اللهم من نصرنا و الإسلام و المسلمين فأنصره

و من خذلنا و خذل الإسلام و المسلمين فخذه


و تخيلت نفسي رجل من عامة شعب مصر

يئست من حال البلد و الأمة و لا أملك من قراري شيء لم أختار رئيسي ولا وريثه و لا عضو مجلس الشعب عن دائرتي ولا عضو المجلس المحلي لو حدث لي مكروه أخاف أن أذهب لقسم الشرطة محدش عارف ممكن يخرج منه على قثدميه ولا محمول على الأعناق . عذرا أهل غزة عذرا أهل العزة لا أملك من أمري شيئا حتى أملك لكم نفع أو ضر



تخيلات وتخيلات و تخيلات كثيرة عصفت بذهني هذا الصباح

أيقظتها داخلي صور أنفاق العزة الموصلة لغزة

و أيادي الخسة الموصلة لتل أبيب

سواء بقصد أو بجهل أوبخوف أو بجبن أو بتكبير مخ أو بتخاذل


أعوذ بك ربي أن أكون من الظالمين أو من أعوانهم بقصد أو بجهل
ترى هل أخطأت في تخيلاتي ..؟؟؟.. هل ظلمت طرف من الأطراف ؟؟؟
هل تجنيت على طرف من الأطراف أو غبنت طرف حقه ؟؟؟؟

Saturday, August 2, 2008

عرائس الشمع تتحرك ؟؟؟

عرائس الشمع تتحرك في ذكرى إستشهاد سيد قطب

- إن كلماتنا تظل كعرائس الشمع فإذا ضحينا فى سبيلها دبت فيها الروح - سيدقطب

إن الدخول في الإسلام صفقة بين متبايعين.. .الله سبحانه هو المشتري والمؤمن فيها هو البائع ، فهي بيعة مع الله ، لا يبقى بعدها للمؤمن شيء في نفسه ، ولا في ماله.. لتكون كلمة الله هي
العليا ، وليكون الدين كله لله - سيد قطب -ـ
ولد سيد قطب لأسرة شريفة في مجتمع قروي (صعيدي) في يوم ـ9/10/1906م بقرية موشا بمحافظة أسيوط، وهو الابن الأول لأمه بعد أخت تكبره بثلاث سنوات وأخ من أبيه غير شقيق يكبره بجيل كامل. وكانت أمه تعامله معاملة خاصة وتزوده بالنضوج والوعي حتى يحقق لها أملها في أن يكون متعلمًا مثل أخواله
كما كان أبوه راشدًا عاقلاً وعضوًا في لجنة الحزب الوطني وعميدًا لعائلته التي كانت ظاهرة الامتياز في القرية، واتصف بالوقار وحياة القلب، يضاف إلى ذلك أنه كان دَيِّنًا في سلوكه.
ولما كتب سيد قطب إهداء عن أبيه في كتابه "مشاهد القيامة في القرآن" قال: "لقد طبعتَ فيّ وأنا طفل صغير مخافة اليوم الآخر، ولم تعظني أو تزجرني، ولكنك كنت تعيش أمامي، واليوم الآخر ذكراه في ضميرك وعلى لسانك.. وإن صورتك المطبوعة في مُخيلتي ونحن نفرغ كل مساء من طعام العشاء، فتقرأ الفاتحة وتتوجه بها إلى روح أبيك في الدار الآخرة، ونحن أطفالك الصغار نتمتم مثلك بآيات منها متفرقات قبل أن نجيد حفظها كاملات".
وعندما خرج إلى المدرسة ظهرت صفة جديدة إلى جانب الثقة بالذات من أمه والمشاعر النبيلة من أبيه وكانت الإرادة القوية، ومن شواهدها حفظه القرآن الكريم كاملاً بدافع من نفسه في سن العاشرة؛ لأنه تعود ألا يفاخره أبناء الكتاتيب بعد إشاعة بأن المدرسة لم تعد تهتم بتحفيظ القرآن.
وفي فورة الإحساس والثقة بالنفس كان لظروف النضال السياسي والاجتماعي الممهدة لثورة 1919 أثر في تشبعه بحب الوطن، كما تأثر من الثورة بالإحساس بالاستقلال وحرية الإرادة، وكانت دارهم ندوة للرأي، شارك سيد قطب فيها بقراءة جريدة الحزب الوطني، ثم انتهى به الأمر إلى كتابة الخطب والأشعار وإلقائها على الناس في المجامع والمساجد.
الاستقرار في القاهرة
ذهب سيد قطب إلى القاهرة في سن الرابعة عشرة وضمن له القدر الإقامة عند أسرة واعية وجهته إلى التعليم وهي أسرة خاله الذي يعمل بالتدريس والصحافة، وكان لدى الفتى حرص شديد على التعلم
إلا أنه في القاهرة واجه عقبات محصته تمحيصًا شديدًا جعلته يخرج من الحياة برؤية محددة قضى نحبه –فيما بعد- من أجلها.
والتحق سيد قطب أولاً بإحدى مدارس المعلمين الأولية –مدرسة عبد العزيز- ولم يكد ينتهي من الدراسة بها حتى بلغت أحوال الأسرة درجة من السوء جعلته يتحمل المسئولية قبل أوانه، وتحولت مهمته إلى إنقاذ الأسرة من الضياع بدلاً من استعادة الثروة وإعادة المجد.
واضطر إلى العمل مدرسًا ابتدائيًا حتى يستعين بمرتبه في استكمال دراسته العليا من غير رعاية من أحد اللهم إلا نفسه وموروثاته القديمة. وكان هذا التغير سببًا في الاحتكاك المباشر بالمجتمع الذي كان لا بد له من أسلوب تعامل يختلف عن أسلوب القرويين وتجربتهم.
فالمجتمع الجديد الذي عاش فيه انقلبت فيه موازين الحياة في المدينة السليمة، وبدت في القاهرة سوءات الاحتلال الأجنبي ومفاسد السياسة؛ حيث سادت عوامل التمزق الطبقي والصراع الحزبي وغدت المنفعة وما يتبعها من الرياء والنفاق والمحسوبية هي الروح التي تسري، ويصف عبد الرحمن الرافعي هذا المجتمع بأنه "مجتمع انهارت فيه الثقافة العربية أمام الثقافة الغربية التي تؤمن بالغرب حتى بلغت في بعض الأحيان حد التطرف في الإيمان بالغرب وبمبادئه إيمانًا مطلقًا". فكيف يواجهها هذا الشاب الناشئ المحافظ الطموح؟
كانت صلته بهذا المجتمع صلة تعليم، ثم أصبح الآن مشاركًا فيه، وعليه أن يختار ما بين السكون والعزلة، وبالتالي عدم إكمال تعليمه أو الحركة والنشاط، واختار سيد قطب المواجهة مع ما ينبت معها من عناصر الإصرار والتحدي وعدم الرضا بهذا الواقع المؤلم.
ارتحال فكري
واختار سيد قطب حزب الوفد ليستأنس بقيادته في المواجهة، وكان يضم وقتذاك عباس محمود العقاد وزملاءه من كتاب الوفد، وارتفعت الصلة بينه وبين العقاد إلى درجة عالية من الإعجاب لما في أسلوب العقاد من قوة التفكير ودقة التغيير والروح الجديدة الناتجة عن الاتصال بالأدب الغربي.
ثم بلغ سيد قطب نهاية الشوط وتخرج في دار العلوم 1933 وعين موظفًا –كما أمل وأملت أمه معه- غير أن مرتبه كان ستة جنيهات ولم يرجع بذلك للأسرة ما فقدته من مركز ومال؛ فهو مدرس مغمور لا يكاد يكفي مرتبه إلى جانب ما تدره عليه مقالاته الصحفية القيام بأعباء الأسرة بالكامل.
وهذه الظروف التي حرمته من نعيم أسلافه منحته موهبة أدبية إلا أن الأساتذة من الأدباء –كما يصفهم- كانوا: "لم يروا إلا أنفسهم وأشخاصهم فلم يعد لديهم وقت للمريدين والتلاميذ، ولم تكن في أرواحهم نسمة تسع المريدين والتلاميذ" كل هذا أدى إلى اضطرابه وإحساسه بالضياع إلى درجة –وصفها الأستاذ أبو الحسن الندوي في كتابه "مذكرات سائح من الشرق" انقطعت عندها كل صلة بينه وبين نشأته الأولى وتبخرت ثقافته الدينية الضئيلة وعقيدته الإسلامية" ولكن دون أن يندفع إلى الإلحاد، وكان دور العقاد حاسمًا في ذلك.
وانتقل سيد قطب إلى وزارة المعارف في مطلع الأربعينيات، ثم عمل مفتشًا بالتعليم الابتدائي في عام 1944 وبعدها عاد إلى الوزارة مرة أخرى، وفي تلك الفترة كانت خطواته في النقد الأدبي قد اتسعت وتميزت وظهر له كتابان هما: "كتب وشخصيات"، "والنقد الأدبي – أصوله ومناهجه".
وبعد ميدان النقد سلك سيد قطب مسلكًا آخر بعيدًا: بكتابه "التصوير الفني في القرآن" الذي لاقى مقابلة طيبة من الأوساط الأدبية والعلمية فكتب: "مشاهد القيامة في القرآن" ووعد بإخراج: "القصة بين التوراة والقرآن" و"النماذج الإنسانية في القرآن"، و"المنطق الوجداني في القرآن"، و"أساليب العرض الفني في القرآن"، ولكن لم يظهر منها شيء.
وأوقعته دراسة النص القرآني على غذاء روحي لنفسه التي لم تزل متطلعة إلى الروح. وهذا المجال الروحي شده إلى كتابة الدراسات القرآنية فكتب مقالاً بعنوان "العدالة الاجتماعية بمنظور إسلامي" في عام 1944.
ولما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها زادت الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية سوءًا وفسادًا وكانت جماعة الإخوان المسلمين هي أوضح الجماعات حركة وانتشارًا حتى وصلت لمعاقل حزب الوفد كالجامعة والوظائف والريف، وأخذت تجذب بدعوتها إلى الإصلاح وقوة مرشدها الروحية المثقفين، وأخذت صلة سيد قطب بالجماعة تأخذ شكلاً ملموسًا في عام 1946 ثم ازدادت حول حرب فلسطين 1948.
وفي هذا الاتجاه ألف سيد قطب كتاب "العدالة الاجتماعية في الإسلام"، وأهداه إلى الإخوان؛ ثم سافر إلى أمريكا وعند عودته أحسنوا استقباله، فأحسن الارتباط بهم وأكد صلته حتى أصبح عضوًا في الجماعة.
الرحلة إلى أمريكا
وجد سيد قطب ضالته في الدراسات الاجتماعية والقرآنية التي اتجه إليها بعد فترة الضياع الفكري والصراع النفسي بين التيارات الثقافية الغربية، ويصف قطب هذه الحالة بأنها اعترت معظم أبناء الوطن نتيجة للغزو الأوروبي المطلق.
ولكن المرور بها مكنه من رفض النظريات الاجتماعية الغربية، بل إنه رفض أن يستمد التصور الإسلامي المتكامل عن الألوهية والكون والحياة والإنسان من ابن سينا وابن رشد والفارابي وغيرهم لأن فلسفتهم – في رأيه – ظلال للفلسفة الإغريقية.
فكان من المنتظر حين يوم 3/11/1948 في بعثة علمية من وزارة المعارف للتخصص في التربية وأصول المناهج ألا تبهره الحضارة الأمريكية المادية ووجدها خلوا من أي مذهب أو قيم جديدة، وفي مجلة الرسالة كتب سيد قطب مقالا في عام 1951 بعنوان: "أمريكا التي رأيت" يصف فيها هذا البلد بأنه: "شعب يبلغ في عالم العلم والعمل قمة النمو والارتقاء، بينما هو في عالم الشعور والسلوك بدائي لم يفارق مدارج البشرية الأولى، بل أقل من بدائي في بعض نواحي الشعور والسلوك".
المصلح والأديب
امتلك سيد قطب موهبة أدبية قامت على أساس نظري وإصرار قوي على تنميتها بالبحث الدائم والتحصيل المستمر حتى مكنته من التعبير عن ذاته وعن عقيدته يقول: "إن السر العجيب – في قوة التعبير وحيويته – ليس في بريق الكلمات وموسيقى العبارات، وإنما هو كامن في قوة الإيمان بمدلول الكلمات وما وراء المدلول، وإن في ذلك التصميم الحاسم على تحويل الكلمة المكتوبة إلى حركة حية، المعنى المفهوم إلى واقع ملموس".
وكان سيد قطب موسوعيًا يكتب في مجالات عديدة إلا أن الجانب الاجتماعي استأثر بنصيب الأسد من جملة كتاباته، وشغلته المسألة الاجتماعية حتى أصبحت في نظره واجبًا إسلاميًا تفرضه المسئولية الإسلامية والإنسانية، وهذا يفسر قلة إنتاجه في القصة التي لم يكثر فيها بسبب انشغاله بالدراسات النقدية ومن بعدها بالدراسات والبحوث الإسلامية.
وطوال مسيرته ضرب سيد قطب مثل الأديب الذي غرس فيه الطموح والاعتداد بالنفس، وتسلح بقوة الإرادة والصبر والعمل الدائب؛ كي يحقق ذاته وأمله، اتصل بالعقاد ليستفيد منه في وعي واتزان، ولم تفتنه الحضارة الغربية من إدراك ما فيها من خير وشر، بل منحته فرصة ليقارن بينها وبين حضارة الفكر الإسلامي، وجمع بينه وبين حزب الوفد حب مصر ومشاعر الوطنية، وجمع بينه وبين الإخوان المسلمين حب الشريعة وتحقيق العدالة الاجتماعية وبناء مجتمع إسلامي متكامل. واستطاع بكلمته الصادقة أن يؤثر في كثير من الرجال والشباب التفوا حوله رغم كل العقبات والأخطار التي أحاطت بهم، وأصبح من الأدباء القلائل الذين قدموا حياتهم في سبيل الدعوة التي آمنوا بها.
العودة والرحيل
عاد سيد قطب من أمريكا في 23 أغسطس 1950 ليعمل بمكتب وزير المعارف إلا أنه تم نقله أكثر من مرة حتى قدم استقالته في 18 أكتوبر 1952، ومنذ عودته تأكدت صلته بالإخوان إلى أن دُعي في أوائل عام 1953 ليشارك في تشكيل الهيئة التأسيسية للجماعة تمهيدًا لتوليه قسم الدعوة،.
وخاض مع الإخوان محنتهم التي بدأت منذ عام 1954 إلى أن أُعدم في عام 1966. وبدأت محنته باعتقاله – بعد حادث المنشية في عام 1954(اتهم الإخوان بمحاولة إغتيال الرئيس المصرى جمال عبد الناصر) – ضمن ألف شخص من الإخوان وحكم عليه بالسجن 15 سنة ذاق خلالها ألوانًا من التعذيب والتنكيل الشديدين، ومع ذلك أخرج كتيب "هذا الدين" و"المستقبل لهذا الدين"، كما أكمل تفسيره "في ظلال القرآن".
وأفرج عنه بعفو صحي في مايو 1964 وكان من كلماته، وقتذاك: أن إقامة النظام الإسلامي تستدعي جهودًا طويلة في التربية والإعداد وأنها لا تجئ عن طريق إحداث انقلاب.
وأوشكت المحنة على الانتهاء عندما قبض على أخيه محمد قطب يوم 30/7/1965 فبعث سيد قطب برسالة احتجاج إلى المباحث العامة؛ فقبض عليه هو الآخر 9/8/1965 وقدم مع كثير من الإخوان للمحاكمة، وحكم عليه وعلى 7 آخرين بالإعدام، ولم يضعف أمام الإغراءات التى كانت تنهال من الطغاة من أجل العفو عنه فى مقابل أن يمدح الثورة وقوادها فكان رده بكل ثباتٍ وعزيمة "إن السبابة التى ترتفع لهامات السماء موحدةً بالله عز وجل لتأبى أن تكتب برقية تأييدٍ لطاغية ولنظامٍ مخالفٍ لمنهج الله الذى شرعه لعباده".
أثناء محاكمة الشهيد طلب القاضى -الذى عينته الثورة- من الشهيد أن يذكر الحقيقة !! فكشف سيد قطب عن ظهره وصدره الذان تظهر عليهما آثار السياط وعصيان الحراس .. وقال للقاضى : أتريد الحقيقة ؟ .. هذه هى الحقيقة .. وبعدها أصبحت جلسات المحاكمة الهزلية مثار السخرية بين الجمهور وعندما سيق الأستاذ سيد قطب إلى المشنقة .. كان يبتسم ابتسامةً عريضة نقلتها كاميرات وكالات الأنباء الأجنبية حتى أن الضابط المكلف بتنفيذ الحكم سأله .. من هو الشهيد ؟! فرد عليه سيد قطب بثباتٍ وعزيمة .. "هو من شهد أن شرع الله أغلى من حياته" .
. وقبل أن ينفذ الحكم .. جاءوه برجلٍ معمَّم من الأزاهرة المغمورين .. فقال له "قل لاإله إلا الله " ..
فردّ عليه الشهيد ردَّه الراسخ : "وهل جئت هنا إلا من أجلها" !! وتم تنفيذ حكم الإعدام فى سيد قطب صاحب الظلال .. ونفذ فيه الحكم في فجر الإثنين 13 جمادى الأولى 1386 هـ الموافق 29 أغسطس 1966.
من أشعاره


أخي أنت حرٌ وراء السدود ..

أخي أنت حرٌ بتلك القيود

إذا كنت بالله مستعصما ..

فماذا يضيرك كيد العبيد

أخي ستبيد جيوش الظلام ..

و يشرق في الكون فجر جديد

فأطلق لروحك إشراقها ..

ترى الفجر يرمقنا من بعيد

أخي قد أصابك سهم ذليل ..

و غدرا رماك ذراعٌ كليل

ستُبترُ يوما فصبر جميل ..

و لم يَدْمَ بعدُ عرينُ الأسود

أخي قد سرت من يديك الدماء ..

أبت أن تُشلّ بقيد الإماء

سترفعُ قُربانها ... للسماء ..

مخضبة بدماء الخلود

أخي هل تُراك سئمت الكفاح ..

و ألقيت عن كاهليك السلاح

فمن للضحايا يواسي الجراح ..

و يرفع راياتها من جديد

أخي هل سمعت أنين التراب ..

تدُكّ حَصاه جيوشُ الخراب

تُمَزقُ أحشاءه بالحراب ..

و تصفعهُ و هو صلب عنيد

أخي إنني اليوم صلب المراس ..

أدُك صخور الجبال الرواس

غدا سأشيح بفأس الخلاص ..

رءوس الأفاعي إلى أن تبيد

أخي إن ذرفت علىّ الدموع ..

و بللّت قبري بها في خشوع

فأوقد لهم من رفاتي الشموع ..

و سيروا بها نحو مجد تليد

أخي إن نمُتْ نلقَ أحبابنا ..

فروْضاتُ ربي أعدت لنا

و أطيارُها رفرفت حولنا ..

فطوبى لنا في ديار الخلود

أخي إنني ما سئمت الكفاح ..

و لا أنا أقيت عني السلاح

و إن طوقتني جيوشُ الظلام ..

فإني على ثقة ... بالصباح

و إني على ثقة من طريقي ..

إلى الله رب السنا و الشروق

فإن عافني السَّوقُ أو عَقّنِي ..

فإني أمين لعهدي الوثيق

أخي أخذوك على إثرنا ..

وفوج على إثر فجرٍ جديد

فإن أنا مُتّ فإني شهيد ..

و أنت ستمضي بنصر جديد

قد اختارنا الله ف دعوته ..

و إنا سنمضي على سُنته

فمنا الذين قضوا نحبهم ..

ومنا الحفيظ على ذِمته

أخي فامض لا تلتفت للوراء ..

طريقك قد خضبته الدما

ءو لا تلتفت ههنا أو هناك ..

و لا تتطلع لغير السماء

فلسنا بطير مهيض الجناح ..

و لن نستذل .. و لن نستباح

و إني لأسمع صوت الدماء ..

قويا ينادي الكفاحَ الكفاح

سأثأرُ لكن لربٍ و دين ..

و أمضي على سنتي في يقين

فإما إلى النصر فوق الأنام

.. وإما إلى الله في الخالدين